في أعقاب هزيمة داعش، أصبحت محافظة دير الزور التي تُعدّ واحدة من أخطر المناطق التي احتضنت التنظيم ساحة معركة جديدة بشأن نفوذ إيران.
لا يزال الاهتمام الدولي ينصبُّ على منع عودة داعش إلى المناطق الواقعة شرقيّ الفرات، ولكن هناك تباين بين أولويات البلدان العاملة في المنطقة، ولا سيّما الولايات المتحدة وفرنسا. فبينما تكرّس فرنسا قدراً كبيراً من الاهتمام للقضاء على المصادر الأيديولوجية والمالية لداعش، تشعر الولايات المتحدة بالقلق بنفس القدر من وجود إيران. وتشارك المملكة العربية السعودية أيضاً، حيث تدخلت مؤخراً في دير الزور لتشكيل التحالف الدولي والحماية من عودة داعش أو إيران.
في اللقاءات التي جمعت المسؤولَين الأمريكيين ويليام روبوك وجيمس جيفري بشخصيات بارزة في دير الزور، أكّد الجانب الأمريكي أنه لا يمكن السماح لإيران بالعودة إلى شرق الفرات. وقد ازداد مستوى الحرص على مواجهة إيران مع زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى دير الزور ولقائه بكبار شيوخ القبائل في حقل العمر النفطي، على بعد كيلومترات فقط من مقر الميليشيات الإيرانية على الضفة الغربية من الفرات.
أظهرت زيارة السبهان إلى دير الزور أوجُه عدم اتساقٍ في السياسة الإقليمية، خاصة مع المصالح السعودية والإماراتية في اليمن وسوريا. ففي اليمن، انسحبت قوات الإمارات العربية المتحدة وبقيت المملكة العربية السعودية، في حين ظهر نزاع جديد في سوريا، حيث تتعارض الإمارات مع السياسة السعودية. بينما تميل الإمارات العربية المتحدة إلى دعم النظام السوري، طلب السبهان في اجتماعه مع القبائل عدم تعاونهم مع النظام السوري في مقابل الحصول على حزمة من المساعدات المالية العاجلة، لأن المملكة العربية السعودية تعتقد أنه من المستحيل فصل النظام عن إيران.
جاء رد فعل إيران على الزيارة سريعاً، في غضون أسبوعين، استدعى الحرس الثوري قافلة عسكرية من العراق، ما رفع مستوى التهديد الأمني بعد بدء عمليات التحالف لمراقبة المواقع الإيرانية في البوكمال.
حاولت السعودية طرد إيران من سوريا قبل سنوات عندما التقى وزير الدفاع السعودي آنذاك محمد بن سلمان في جدة برئيس مكتب الأمن القومي السوري، علي مملوك. ومع ذلك، لم تستجب القيادة في دمشق للطلبات السعودية. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تتفقان اليوم على نقطة عدم التعامل مع النظام السوري؛ وفي الواقع، تطلب واشنطن دائماً من الإدارة المستقلة لشمال وشرق سوريا، التي تضم دير الزور، ألا تعقد صفقات نفطية مع الحكومة السورية.
العلاقات العشائرية
أضافت زيارة السبهان عنصراً جديداً في المواجهة مع إيران في شرق الفرات، في حين أن لدولة الإمارات العربية المتحدة علاقات جيدة مع قوات سورية الديمقراطية، إلا أنها تتمتع بقليل من العلاقات مع العشائر. دفع هذا بالمملكة العربية السعودية إلى إرسال السبهان، أحد مهندسي العلاقات السعودية مع العشائر السورية والعراقية، لتشكيل قوة ردع سنية عشائرية لمواجهة النفوذ الإيراني.
وصرّحت القوات العشائرية بوضوح أنها من بين الأطراف الأكثر تضرراً من وجود إيران، وفقاً للاجتماع الأخير بين العشائر والسبهان، كان هناك تقارب جلِيٌّ للأهداف واستعداد اضح من جانب العشائر لتكون درعاً ضد الميليشيات الإيرانية.
معضلة الأكراد
ومع ذلك، فإن السؤال الأكثر أهمية هو الأكراد وإلى أي مدى يمكنهم أن يكونوا حجر الأساس للولايات المتحدة والسعودية في مواجهة النفوذ الإيراني.
أولئك الذين يطالبون بإعادة العقيدة القتالية الكردية، وتحديداً وحدات حماية الشعب التي أُنشِئت في بداية عام 2014، يعتبرونهم قوات دفاع – تشكلت لحماية مناطقهم من داعش في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن المواجهة مع إيران – التي تحدث بشكل طبيعي خارج مناطق سيطرتهم – تجبرهم على اتخاذ موقف أيديولوجي محرج.
فمن ناحية، هم ليسوا مهتمين بمحاربة الميليشيات الإيرانية التي لم تصطدم معهم في سوريا منذ بداية الصراع، ومن ناحية أخرى، فإن مصالح التحالف تتطلب معارضة إيران، ناهيك عن معارضة النظام السوري، ما يفتح جبهات جديدة للأكراد وقوات سوريا الديمقراطية قد تمتد إلى المناطق الحدودية في الحسكة والقامشلي وتل رفعت والشهباء في ريف حلب، فهذه مواجهة يمكنهم الاستغناء عنها.