استولت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد على أغلبية مناطق سيطرة داعش في شرق سوريا. ونتيجة لذلك، تحرر المدنيون الذين أُرغِموا على العيش في ظلّ حكم الجماعة القاسي. إلاّ أنهم لا يشعرون جميعاً بالأمان. فقد أعرب العديد من السكان المحليين عن مخاوف مقلقة بشأن موجات الاعتقال التي تقوم بها قوات الأمن الخاصة التي يشار إليها عادة باسم فرقة مكافحة الإرهاب.
من غير الواضح كيف تجمع قوات مكافحة الإرهاب معلوماته، ولكن يبدو أنها تعتمد أساساً على المخبرين المحليين لاستهداف أولئك الذين يُنظر إليهم أنهم عملوا مع داعش أو ساعدوها. وفي حين أن بعض المعلومات قد تكون موثوقة، فإن التنافس المحلي يمكن أيضاً أن يكون السبب في اتهام الأفراد بأنهم من أنصار داعش.
ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً – إذ تحفل سوريا بتاريخ طويل في كتابة تقارير مزيفة إلى أجهزة المخابرات المختلفة كوسيلة لتسوية الخلافات بين الجيران وحتى بين أفراد الأسرة. وذكرَ مسؤول محلي في قسد، وهو غير مخوّل لمناقشة الموضوع علناً وتحدَّث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن تقاريراً مزوّرة رُفعت ببعض الأشخاص من قِبَل آخرين يعرفونهم.
كما أفادت التقارير بتعرّض السكان المحليين للاعتقال عند حواجز قسد بسبب مظهرهم ودون أي معلومات مسبقة عنهم. وقد تمكَّنتُ من التحدث إلى رجلين قُبِض عليهما قبل بضعة أشهر في طريقهما للخروج من مدينة الرقة المحاصرة. وأكد كلاهما أن لهما لِحىً طويلةً وكانا يلبسان أرديةً مماثلة لتلك التي يستخدمها مقاتلو داعش، ولكن بالنظر إلى قواعد اللباس الصارمة التي فرضتها الجماعة، لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاُ أو يثير الشكوك لوحده فقط.
لقد حالف الحظ الرجلين اللذين تحدثت إليهما إذ أُخلي سبيلهما بعد بضعة أسابيع لأن الكثيرين قد شهدوا لهما. ولكن البعض الآخر كان أقل حظاً، حيث إنَّ الناس الذين يعرفونهم قد نزحوا إلى وجهات غير معروفة. ونتيجة لذلك، لم يبق للمعتقلين أي شخص يشهد على براءتهم. وفي هذه الحالات، يظل المشتبه فيهم محتجزين إلى أن يثبت خلاف ذلك. ومع ذلك، فإن السلطات المعنية غارقة في التعامل مع العدد الهائل من المشتبه فيهم. وهكذا، تصبح هذه العمليات أكثر تعقيداً حيث لا تتوفّر موارد كافية للتركيز على مثل هذه الحالات المعقدة.
وتعالَج قضايا الإرهاب من قبل “محكمة حماية الشعب”، التي توجد مقراتها في مدينتي القامشلي وعفرين. تطبّق هذه المحكمة قانون
مكافحة
الإرهاب الذي اعتمده المجلس التشريعي المحلي لروجافا في عام 2014. ولكن هناك مخاوف كبيرة بشأن الإجراءات القانونية التي تنفذها المحكمة. ويُحرم المشتبه فيهم من الحق في توكيل محام والطعن في الأدلة ضدهم. وبالمثل، لا يمكن للمدعى عليهم استئناف أحكامهم.
كما أن الظروف التي تجري فيها عمليات الاعتقال تثير الهلع أيضاً. فقد أفادت أُسرُ ثلاثة معتقلين بأن منازلهم اقتُحِمت ليلاً من قبل 12 مسلحاً يرتدون ملابس مدنية. ثم اقتيد أقاربهم بالقوة دون أي معلومات صحيحة عن هوية الرجال المسلحين، والسبب وراء اعتقال أو موقع مركز الاحتجاز.
ومن الصعب للغاية الحصول على صورة واضحة عن الحجم الدقيق لهذه الظاهرة، نظراً لعدم وجود أي عمليات جمع منهجي للبيانات والخوف الذي يمنع أفراد أسر المحتجزين من التحدث عنها علناً. مع ذلك، لا يمكن أن يبرر حجم التهديد الذي تفرضه خلايا داعش النائمة ولا ما إذا كان تهديدها وشيكاً احتجاز المدنيين، أياً كان عددهم، دون أن يكون لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم. إن القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى إقصاء المجتمعات المحلية التي عادة ما تكون أولى طبقات الحماية وأهمها.
وبدلاً من ذلك، ينبغي السماح للمنظمات المستقلة لحقوق الإنسان بمراقبة مرافق الاحتجاز هذه – لإبلاغ الأسر عن ذويها المحتجزين وإثبات أن سيادة القانون تنطبق على الجميع، حتى على أعضاء داعش.