أكثر من مجرّد مقعدٍ على الطاولة: مشاركة النساء وتمثيلهن سياسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  • لينا أبو حبيب

    Director of the Asfari Institute for Civil Society and Citizenship at the American University of Beirut

    ديرة معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الامريكية ببيروت

لينا أبو حبيب

يكمن السبيل إلى تحقيق المشاركة والتمثيل السياسيَّين الشاملَين للنساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأصوات النسوية التقاطعية المقرونة بجدول أعمال تحوُّلي.

إن الحالة المزرية لمشاركة النساء وتمثيلهنّ في المجال السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي نتيجة لنظام أبوي معقد تعززه القوانين التمييزية والمؤسسات الاجتماعية بالإضافة إلى المعايير الجنسانية القمعية الراسخة. ولا يمكن معالجة هذه المشكلة المعقدة على النحو المناسب، ناهيك عن التصدي لها، بمجرد تخصيص عدد قليل من المقاعد على الطاولة وفقاً لما اصطُلِح عليه. قد تُنتَخب النساء للبرلمان في مختلف البلدان في أرجاء المنطقة، إلّا أنّ الحيّز السياسي لا يزال مجالاً لا يُسمح فيه بمناقشة المكانة الثانوية للنساء والأشخاص غير المنضوين في التصنيفات الجنسية الثنائية والفئات الهشّة الأخرى. ويكمن السبيل نحو المشاركة والتمثيل السياسيَّين الشاملَين في الأصوات النسوية التقاطعية. 

إصلاحات تجميلية

في أيلول/سبتمبر من عام 1995، شاركت معظم الحكومات العربية في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عقدته1 لأمم المتحدة في بيجين وأيدت الوثيقة الختامية للمؤتمر ومنهاج عمل بيجين. ونصت هذه الوثيقة، في جملة أمور، على أن تلتزم الدول الموقعة بتحقيق نسبة 30 في المئة لتمثيل النساء في جميع الهيئات السياسية المنتخبة والمرشحة بحلول عام 2015.2 وفي حقبة التسعينات تراوحت النسبة المئوية للنساء في البرلمانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين صفر في المئة في المملكة العربية السعودية3 و 12 في المئة في تونس4. وكان المستوى المتواضع ولكن الواضح لمشاركة النساء في بلدان مثل سوريا والعراق ومصر يرجع إلى استخدام الأنظمة الاستبدادية للنساء لتحسين صورة تلك الأنظمة على المستوى الدولي والظهور بمظهر الداعم لحقوقهنّ، على الرغم من تجاهلها للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبحلول عام 2015، أي بعد خمس سنوات من الانتفاضات العربية المختلفة، لم تبذل المنطقة إلى الآن أي جهود ملحوظة لتحدي العقبات القانونية والمجتمعية وغيرها من العقبات التي تحد من المشاركة السياسية الفعالة والهامة للنساء. وأدخل عدد قليل من البلدان العربية نظاماً للحصص السياسية لضمان تخصيص مقاعد برلمانية للنساء، ولكنها لم تأخذ في الاعتبار التحديات الهيكلية التي تواجهها النساء في سعيهنّ إلى شغل المناصب العامة والاحتفاظ بها.5 وكثيراً ما تواجه النساء قوانين أحوال شخصية مقيِّدة، إذ يتعيّن عليهن تأمين صلاتٍ أبوية قوية وما يلازمها من موارد مالية وموارد أخرى6 .كما تواجه النساء في المجال العام التحرش الجنسي وغيره من أشكال التحرش، وهناك معايير جنسانية اجتماعية تقوّض إمكانات النساء لأن يكنّ قائدات وصانعات قرار.7

على الرغم من اندلاع الانتفاضات العربية المختلفة، بما في ذلك احتجاجات عام 2019، فإن أوضاع النساء والأشخاص غير الثنائيين جنسانياً وأحرار الهوية الجنسانية والفئات الهشة مثل المهاجرات واللاجئات والنساء ذوات الاحتياجات الخاصة، مستبعدة إلى حد كبير من مناقشة السياسة العامة. ومع استمرار الهجمات بلا هوادة على النساء والفتيات وأحرار الهويات الجنسانية، يبدو أن الأنظمة في المنطقة تشكل عقبات أمام حماية النساء والأشخاص غير الثنائيين جنسانياً من العنف8 ، فضلاً عن كونها عقبات أمام أي مطالب بالحرية والسلامة والكرامة.9

أهمية التقاطعية 

استخدمت الناشطات النسويات في المنطقة طيلة عقود استراتيجيات مختلفة للمشاركة والتواصل مع النظام من أجل التأثير عليه وتغييره. إلّا أن انعدام أي تقدم حقيقي يشير بوضوح إلى أن الإصلاحات الحالية لا تكفي ببساطة لإحداث تحوّل في القوانين والمجتمعات والعقليات في المنطقة العربية. وفي حين أن ضمان التمثيل حق، فإن إحدى المسائل المثيرة للجدل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أن الوصول إلى ذلك التمثيل وشكله وجدول أعماله إنما يعمل على تعزيز نظام أبوي ومحافظ يرى أن الطبيعة السوية تنحصر في اشتهاء الجنس المغاير، وبالتالي لا تكون المساواة الفعلية والإدماج والتنوع من ضمن المسائل المطروحة للنقاش العام.

في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان في أيار/مايو 2022، احتفى كثيرون بدخول مجموعة صغيرة من النساء إلى البرلمان بأجندة تحوّلية ممن صرَّحن علناً بالتزامهن بحقوق النساء. ولكن من المهم أن نتذكر أن نساء أخريات انتُخبن أيضا أو أعيد انتخابهن، وهنّ في الواقع من رعاة النظام السياسي الأبوي ويعمَلن بالفعل للإبقاء على الوضع الراهن الذي فرضه هذا النظام10.ولعلّ هذا ما يفسّر مثلاً صمتهن الرهيب حين تُشنُّ هجمات على مجموعات من أحرار الهويات الجنسية أو في المناسبات النادرة التي تدور فيها مناقشات بشأن الطبيعة العنيفة والتمييزية لقوانين الأحوال الشخصية.

شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بروز أصوات نسائية تقاطعية جديدة وقوية منذ بداية الانتفاضات الأخيرة في عام 2019، ومن المزمع أن تأتي هذه الأصوات بأجندة جديدة شاملة تبتعد عن التركيز على حقوق النساء وما يسمى بالإصلاح، لتنحو نحو أجندة تحويلية وجريئة وشاملة تسعى إلى تغييرٍ منهجي قائم على المساواة والإدماج والتنوع. وإن ظهور الأصوات النسوية في المجال السياسي وإعلاءها هو الذي سيخلق تحولاً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو تحوُّل قد يؤدي أخيراً إلى زعزعة المعايير الجنسانية القائمة والقسرية.

_______________________________

[1]   الأمم المتحدة، (1995). المؤتمر العالمي الرابع المعني بالنساء. المصدر: https://www.un.org/womenwatch/daw/be_count}/fwcwn.html 

[2]   الأمم المتحدة، (1995). النساء في مواقع السلطة وصنع القرار، المصدر: https://www.un.org/womenwatch/daw/be 

[3]   البنك الدولي، (بدون تاريخ). نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في البرلمانات الوطنية (٪) – المملكة العربية السعودية. المصدر: https://data.worldbank.org/indicator/SG.GEN.PARL.ZS?end=2021&locations=SA&name_desc=false&start=2003 

[4]   البنك الدولي، (بدون تاريخ). نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في البرلمانات الوطنية (٪) – تونس. المصدر: https://data.worldbank.org/indicator/SG.GEN.PARL.ZS?end=1999&locations=TN&name_desc=false&start=1997 

[5]   نظرة للدراسات النسوية، (2013). الكوتا وأشكالها المختلفة. المصدر: https://nazra.org/en/2013/04/quota-and-its-different-forms 

[6]   دايبس، ف. (2020)، قوانين الأسرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أداة للإخضاع. المصدر: https://connect.fes.de/reading-picks/family-laws-in-the-mena-region-a-tool-for-subordination 

[7]   كيوان، د.، فرح، م .، عنان، ر .، وجابر، هـ. (2016). النساء في المشاركة والقيادة في لبنان والأردن وإقليم كردستان العراق: الانتقال من التغيير الفردي إلى التغيير الجماعي. أوكسفام.  المصدر: https://www.alnap.org/system/files/content/resource/files/main/rr-womens-leadership-lebanon-jordan-kri-250416-en.pdf 

[8]  الرابطة الدولية للتخطيط، (2020). حماية الشابات والفتيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المصدر: https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/protection-young-women-and-girls-middle-east-and-nin-africa-mena 

[9]  دان، سي، دبليو (2022)، صورة قاتمة للديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2022. المركز العربي واشنطن العاصمة. مقتبس من https://arabcenterdc.org/resource/a-bleak-landscape-for-democracy-and-human-rights-in-the-mena-region-in-2022/ 

[10]  الشمّاع، م. (2022). تعرّفوا على النساء الثماني المنتخبات للبرلمان في عام 2022. لوريون لوجور. المصدر: https://today.lorientlejour.com/article/1300011/-25.html