هل ستجلب الهجمات الأميركية الجديدة على الحوثيين إيران إلى طاولة المفاوضات؟

  • فارع المسلمي

    Research Fellow, Middle East and North Africa Programme

    زميل أبحاث، تشاتام هاوس

  • توماس جونو

    Associate Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل باحث مشارك، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الحوثيون هم الطرف الوحيد في محور المقاومة الذي ازداد قوّةً خلال العام الماضي. لكن الضربات الجوية لن تردع هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر ولن تؤثّر على طهران.

كانت الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، في 15 مارس/آذار، هي الأعنف منذ بدء العمليات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في يناير/كانون الثاني 2024. كما أنها كانت الأولى في عهد الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب. وفي رسالة واضحة إلى طهران، قال الرئيس الأميركي بعد شنّ الضربات إنّ ”كل طلقة يطلقها الحوثيون سيُنظر إليها… على أنها طلقة أُطلقت من أسلحة إيران وبقيادتها“.

لم تكن هذه الهجمات، وربط ترامب الصريح بين الحوثيين وإيران، أمرًا مفاجئًا. فقد كان من أهم نتائج الحروب التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي تعاظُم أهمية الحوثيين ضمن محور المقاومة الذي تقوده إيران. ومنذ ذلك الحين، شكّلت مئات الهجمات التي شنها الحوثيون على حركة الملاحة في البحر الأحمر، والعديد من عمليات إطلاق المُسيَّرات والصواريخ ضد إسرائيل، عنصرًا مهمًا في رد المحور على الحرب في غزة.

في الوقت نفسه، أضعفت إسرائيل أعضاء المحور، حماس وحزب الله، بشكل كبير خلال عام 2024، لا سيما من خلال تصفية قيادتيهما. كما انهار نظام الأسد في سوريا في ديسمبر/كانون الأول، مما أفقد طهران حليفها الدولتي الرئيسي في المحور.

حتى إيران ضعُفت. إذ كانت هجماتها التي شنتها بالصواريخ والمُسيَّرات على إسرائيل العام الماضي غير فعّالة إلى حد كبير؛لأن الدفاعات الجوية الإسرائيلية كانت تعمل بفعالية. وفي المقابل، كانت الضربات الإسرائيلية على إيران أشبه بتدخّلات جراحية: فقد دمّر الهجوم الثاني في أكتوبر/تشرين الأول عدة مواقع للدفاع الجوي ومنشأة رئيسية لإنتاج الصواريخ. وكانت الرسالة هي أنه في حالة حدوث مواجهة مباشرة أخرى، يمكن لإسرائيل أن تُلحق بإيران ضررًا أكبر بكثير.

الحوثيون هم الوحيدون من أطراف المحور الذين شهدوا تعزيز موقفهم خلال العام الماضي. إذ أنّ استمرار تشرذم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا جعل قوة الحوثيين السياسية والعسكرية مهيمنة. وقد سمح لهم استعراضهم للقوة في البحر الأحمر بتأسيس مكانة عالمية. كما أن هجماتهم على الملاحة البحرية، التي يضعونها في إطار التضامن مع الفلسطينيين، قد أحرجت الأنظمة العربية التي يشكل تقاعسها النسبي عن التحرُّك مصدر استياء لدى شعوبها.

لكن من الخطأ وصف الحوثيين بأنهم مجرد امتداد لإيران، فهذا التصور لا يمكن أن يشكل أساسًا لسياسة ناجعة.

الدعم الإيراني

صحيح أن الحوثيين ما كانوا ليصلوا إلى ما هم عليه اليوم لولا الدعم الإيراني -وهي علاقة توسعت بعد الانتفاضات العربية، كوسيلة لمواجهة السعودية. وحتى بعد الهدنة التي رعتها السعودية في الحرب الأهلية اليمنية في أبريل/نيسان 2022، لم يتراجع الدعم الإيراني، بل ازدادت عمليات تهريب الأسلحة والوقود والتكنولوجيا إلى الحوثيين، في حين استمر الأخيرون في بناء قدراتهم العسكرية المحلية.

لا شك أنّ تنامي قوة الحوثيين يفيد إيران، إذ يوفّر لها شريكًا في الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، تمامًا خلف ظهر غريمتها السعودية. ويتمثل هدف إيران على المدى الطويل في رؤية ترسيخ قوة الحوثيين ومأسستها، بينما تواصل طهران ”استراتيجية رفعِ اليد“، وممارسة درجة من الإنكار المقبول.

من الناحية العملية، هذا يعني أن إيران تشجّع الحوثيين على لعب دور إقليمي أكثر أهمية داخل المحور. ولهذا السبب تدعم الحوثيين في بناء وجودهم الإقليمي، لا سيما في العراق والقرن الأفريقي.

تباين المصالح

مع ذلك، هناك تباينات بين المصالح الإيرانية ومصالح الحوثيين، إذ أظهر الأخيرون على وجه الخصوص قدرة أكبر بكثير على تحمّل المخاطر من طهران. وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت إيران مترددة بشأن شن الحوثيين هجمات في البحر الأحمر، خوفًا من التصعيد -ومع ذلك استمرّ الحوثيون في شنّ الهجمات. ويعود السبب في ارتفاع درجة تحمّلهم للمخاطر، أولًا إلى ثقتهم المفرطة الناجمة عن هيمنتهم داخل اليمن وقدرتهم على الصمود تجاه سنوات من الضربات السعودية والإماراتية، وثانيًا إلى أيديولوجيتهم العدوانية والتوسعية. في المقابل، كانت إيران حريصة على مر السنين على موازنة استفزازاتها وتجنّب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

وهذا يعني أن إيران سيكون لديها تحفظات على الأجندة العدوانية للحوثيين، خاصة في البحر الأحمر. وسيكون هناك خشية من أن يورط الحوثيون الجمهورية الإسلامية في جولة جديدة من العنف. وعلاوة على ذلك، إذا انهارت الهدنة في اليمن، فإن احتمال تجدد هجمات الحوثيين ضد السعودية والإمارات سيزداد، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، ويهدد استمرار دفء العلاقات بين طهران والرياض الذي طرأ في الآونة الأخيرة.

تأثير ترامب

أدّى وصول إدارة ترامب الثانية للبيت الأبيض إلى تغيير المعادلة بشكل أكبر، فقد سبق للحوثيين أن أعلنوا بوضوح أنهم سينتقمون ممن ينفّذون الأمر التنفيذي المتعلق بتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية، الذي أعلنته واشنطن في يناير/كانون الثاني 2025.

وفي حال أدى ذلك إلى تعليق واردات الوقود عبر ميناء الحديدة (أحد مصادر الدخل الرئيسية الأربعة للحوثيين)، فمن المحتمل أن يتخلوا عن التزامهم بهدنة فعلية على الحدود مع السعودية.

كما أن إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية سيجبرهم أيضًا على زيادة توجيه اقتصادهم بعيدًا عن البنوك الرسمية بما في ذلك محلات الصرافة وأنظمة الحوالات، والاتجاه بدلًا عن ذلك نحو الآليات غير الرسمية. كما أنهم قد أصبحوا بالفعل مستثمرين مهمُّين في عالم العملات الرقمية.

في أسوأ السيناريوهات، سيكون هناك استئناف للأعمال العدائية المباشرة بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية. يحاول كلا الطرفين تجنُّب خرق الهدنة، ولكن في نهاية المطاف من سيطلق النار أولًا قد لا يكون له أهمية من الناحية العملية، خاصة إذا استخدمت الولايات المتحدة المجال الجوي السعودي لضرب اليمن.

من غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية والبحرية الأميركية المتجددة والآخذة في التوسّع إلى ردع الحوثيين؛ فهم سيستفيدون مرة أخرى من التضاريس الجبلية في اليمن للتواري والاختباء تحت الأرض. كما أنَّ بنيتهم التحتية منتشرة بالفعل في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الحضرية الكثيفة. إن الأثر الرئيسي للضربات هو زيادة احتمال أن يكثّف الحوثيون هجماتهم على السفن الأميركية والغربية ويستأنفوا الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضد إسرائيل.

ومن غير المرجح أن تَرُدّ إيران بشكل مباشر. وإذا كان الهدف من الضربات هو إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فمن المحتمل ألا تنجح الضربات في ذلك، بل ستشعر طهران بأنها مضطرة لمواصلة دعمها للحوثيين، إن لم يكن مضاعفة هذا الدعم، باعتبارهم الطرف الوحيد الذي لم يتضرر إلى حد كبير في هذا المحور.

إذا كانت إدارة ترامب ترغب حقًا في إضعاف الحوثيين وهزيمتهم في نهاية المطاف، فعليها أن تبدأ بجهد حقيقي طويل الأمد لدعم السلام المستدام في اليمن.

وسيتطلَّب ذلك تعزيزَ مجلس القيادة الرئاسية المعترف به دوليًا، سياسيًا وربما عسكريًا. أمّا في غياب جبهة قوية وموحدة مناهضة للحوثيين، فإن السياسة الحالية تخاطر فقط بتسريع تفتيت اليمن وإطالة أمد عدم استقراره.

كما يجب على الولايات المتحدة تكثيف الجهود لمواجهة تهريب الأسلحة والوقود إلى الحوثيين من إيران والعراق، لا سيما عبر البحر، وتحديد مصالح الحوثيين الاقتصادية خارج اليمن وتجميدها.

ومهما يكن، يجب على واشنطن أن تتحاشى التحرّك في اليمن من دون التنسيق على الأقل مع حلفائها الإقليميين في الخليج، وتحديدًا الإمارات والسعودية. فعلى أقل تقدير، تُدرك هاتان الدولتان -اللتان خاضتا حربًا فاشلة ضد الحوثيين -ما هي الاستراتيجيات التي لا تجدي نفعًا مع الجماعة وفي اليمن عمومًا.

 

ظهر هذا المقال للمرة الأولى في المعهد الملكي للشؤون الدولية – تشاثام هاوس- بعنوان:

 New US attacks on the Houthis will not bring Iran to the negotiating table – but could provoke worse violence