يُعتبر التمويل الأخضر عنصراً حاسماً في مساعي دول الخليج لتقليل اعتمادها على عائدات النفط. ويُظهر تحليل جهود هذه الدول حتى الآن تقدماً كبيراً في الكشف عن أدوات التمويل الأخضر. ومع ذلك، توضح البيانات أنّ تحقيق هذه الأهداف بشكل كامل ضمن برنامج للنمو المستدام سيعتمد على تجاوز التحديات المرتبطة باللوائح التنظيمية، وبغياب نظام تصنيف المنتجات الخضراء وغموض آليات التنفيذ.
ولتحقيق ذلك، سوف يتعين على دول الخليج إعطاء الأولوية للتمويل الأخضر من خلال تسريع عملية إزالة الكربون، مع التركيز بصورة أكبر على الاستدامة البيئية وتوسيع نطاق خططها إلى ما يتجاوز مجال الطاقة. وتتمثل إحدى وسائل تحقيق ذلك في أن تنظر كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء هيئة للاستثمار الأخضر تركز حصرياً على تمويل المشاريع المستدامة وإدارتها، في حين ينبغي أيضاً مناقشة تطوير نهج موحّد لدول مجلس التعاون الخليجي لزيادة التوافق في التحول الأخضر في جميع أنحاء المنطقة.
التمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي
تُعد الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وقطر وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر – من أهم مقدمي التمويل الأخضر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويشمل التمويل الأخضر مجموعة من الأنشطة المالية والاستثمارات والأدوات المصمّمة لتعزيز النتائج المستدامة بيئياً. ويتجلى ذلك بشكل خاص في المبادرات التي تركّز على الحد من انبعاثات الكربون، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعزيز حلول الطاقة النظيفة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وتأتي مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في التمويل الأخضر مدفوعة باستراتيجياتها الوطنية لتنويع اقتصاداتها من أجل تقليل اعتمادها على عائدات النفط كمحرك رئيسي للنمو. وتسعى جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر (2050 في عُمان والإمارات العربية المتحدة، و2060 في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية).
ويشكّل تمويل التحوّل في مجال الطاقة عاملاً رئيساً في استراتيجيات دول مجلس التعاون الخليجي المتعلقة بالمناخ، التي وضعت أهدافاً لتوليد الطاقة من مصادر متجددة، ولكن بنتائج متباينة. على سبيل المثال، تهدف سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية إلى أن تشكّل الطاقة المتجددة ما نسبته 30% و50% على التوالي من مزيج الطاقة في البلدين بحلول عام 2030. وقد أدى التسارع في التنويع الاقتصادي إلى تحويل أدوات التمويل الأخضر، مثل القروض المستدامة والصكوك (أداة التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية)، إلى استراتيجيات رائجة للحكومات والبنوك والشركات منذ عام 2017.
تُحاكي سياسات التمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي النهج الذي تتبناه الصين. فالسياسات الاقتصادية وسياسات الطاقة موجهة نحو التحوّل، وليس نحو التغيير، مع اتّباع نهج متوازن يركّز على التخلص التدريجي من النفط والغاز، مع التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وقد وضعت بعض حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أطر عمل للتمويل المستدام لتكون بمثابة أسس تنظيمية لسياسات التمويل الأخضر. ومن بين هذه الأطر إطار التمويل المستدام في الإمارات العربية المتحدة (2021-2031)، وإطار التمويل المستدام في عُمان (2024)، وإطار التمويل الأخضر في المملكة العربية السعودية (2024). وتكتسب هذه الأطر السياساتية أهميتها من كونها تدعم الأهداف المناخية لدول مجلس التعاون الخليجي وتُظهر التزام حكوماتها بالعمل على جعل أنظمتها المالية خالية من الكربون.
وما تزال هناك تحديات بنيوية تكشف عن عدم نضج قطاع التمويل المستدام في الخليج. فعلى سبيل المثال، هناك عقبات تنظيمية، مثل التباين بين دول مجلس التعاون الخليجي في تطوير لوائح الأنظمة الجديدة وتطبيقها، وغياب نظام تصنيف المنتجات الخضراء وغموض آليات التنفيذ، وهي عقبات تتَّسم بها أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. وتعوق هذه التحديات قدرة المستثمرين على تقييم معايير الاستدامة في الاستثمارات، وتقلل من مصداقية المؤسسات المالية، كما تزيد من مخاطر “التبييض الأخضر“. ويشكّل غياب البيانات عالية الجودة المستندة إلى الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تحدياً رئيسياً آخر أمام المستثمرين في تتبّع الامتثال لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والإبلاغ عن الأداء، واتخاذ القرارات وفقاً لذلك. وتشمل التحديات الأخرى ارتفاع مستوى التباين في المقاييس والمنهجيات بين الاختصاصات القضائية والقطاعات (حتى داخل دول مجلس التعاون الخليجي) وندرة المهارات والخبرات المحلية في مجال الاستدامة.
ومع ذلك، لم تمنع هذه التحديات من إدخال أدوات التمويل الأخضر في السنوات الأربع الماضية. وهذا يدل على حرص الحكومات والقطاعات الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي على تسريع دمج التمويل المستدام في منظومة التمويل السائدة.
أدوات التمويل
تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة دول مجلس التعاون الخليجي في إصدار التمويل الأخضر من حيث السندات والصكوك القائمة. وكما يوضح الشكل 1، فقد ارتفع إصدار السندات الخضراء بشكل كبير جداً إلى 15.66 مليار دولار في عام 2023 في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الاهتمام الذي أثارته استضافة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة. ثم انخفض بعد ذلك إلى 3.5 مليار دولار في عام 2024. وفي حين كانت المملكة العربية السعودية أكبر مُصدِر للسندات في عام 2022 والإمارات العربية المتحدة في عام 2023، زادت قطر أيضاً من إصداراتها تدريجياً لتصل إلى 2.5 مليار دولار في عام 2024، مما يدل على زيادة الوعي بأهمية التمويل الأخضر لخطط التنويع الاقتصادي في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، يظهر هذا أيضاً تفاوتاً وعدم اتساق في أحجام الإصدارات وغياب نهج موحد لدول مجلس التعاون الخليجي في تبنّي الاستدامة المالية.

وتعكس تركيبة الأدوات المالية ثلاثة اتجاهات رئيسية: التركيز الانتقالي على الاستقرار الاجتماعي والتنمية على حساب الاهتمامات البيئية، والمكانة المهيمنة للبنوك، والدور المركزي للنفط في تمويل عملية الانتقال.
ولا تزال السندات الخضراء سائدة في الوقت الذي تحاول فيه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تقليل اعتمادها على النفط وتسريع عملية إزالة الكربون. ومع ذلك، فقد ازداد إصدار سندات الاستدامة بشكل ملحوظ بسبب تركيز الكيانات السيادية والمالية السعودية والإماراتية على الاستدامة المتوازنة مالياً، بما في ذلك تمويل المشاريع الاجتماعية (الشكل 2). ويرتبط ذلك على وجه التحديد بتركيز التمويل الأخضر في القطاع المصرفي، الذي بات منفتحاً بشكل كبير على الاستثمارات ذات التوجه الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، تُوفّر السندات المستدامة المرونة والتركيز على التنمية الاجتماعية في سياق تركيز دول مجلس التعاون الخليجي على التحول الاقتصادي التدريجي، المدعوم بسياسات الانتقال المرحليّ التي تراعي الاعتماد المتواصل على النفط، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الأهداف البيئية.
وتشير البيانات إلى أن مساهمات دول مجلس التعاون الخليجي في التمويل الأخضر تميل إلى الانخفاض عندما تكون أسعار النفط منخفضة أو من المتوقع أن تنخفض. وهذا ما يسلط الضوء على وجود علاقة قوية بين أسعار النفط ووتيرة التحول داخل دول مجلس التعاون الخليجي.

تهيمن دول مجلس التعاون الخليجي على السوق العالمية للصكوك الصكوك المرتبطة بالبيئة والمجتمع وحوكمة الشركات . ووفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، بلغت نسبة الصكوك 44% من إجمالي سوق رأس مال الديون الصكوك المرتبطة بالبيئة والمجتمع وحوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2024. وفي الفترة بين عامي 2018 و2023، أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي 68.2% من الصكوك المقوَّمة بالدولار في مجال الصكوك البيئية والاجتماعية والحوكمة على مستوى العالم، بما في ذلك الصكوك الخضراء وصكوك الاستدامة والصكوك المرتبطة بالاستدامة (الشكل 3).

استمر الارتفاع في صكوك الاستدامة في عام 2024 في دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من تراجع الصكوك المرتبطة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. من المرجح أن تزداد مساهمة الصكوك في التمويل الأخضر في هذه الدول تماشياً مع التحول في استراتيجيات التمويل الأخضر والتركيز على الأدوات الإسلامية البيئية والاجتماعية والحوكمة في السنوات القليلة الماضية. ويكتسب صعود الصكوك أهميته من عدة عوامل، منها التوافق مع المبادئ الإسلامية، وطلب المستثمرين في الدول الإسلامية، ومرونة استخدام العائدات، والبعد الاجتماعي التنموي، والتطابق مع الأهداف البيئية للمستثمرين الغربيين. وهذا قد يكشف عن تصور جماعي خليجي تجاه الصكوك كأداة مالية شاملة تلبي مجموعة واسعة من الأهداف التنموية المتنوعة التي تتجاوز الاهتمامات البيئية من خلال دمج الصكوك الإسلامية في خطط التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي.
التمويل الأخضر الخليجي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تُظهر البيانات مستوى عالٍ من التوافق في مقاربات دول مجلس التعاون الخليجي والصين في تمويل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يشير إلى وجود استراتيجيات وأهداف متشابهة.
ارتفع التمويل الأخضر من دول مجلس التعاون الخليجي والصين بشكل ملحوظ بين عامي 2021 و2023، لكنه انخفض في عام 2024 على الرغم من الزيادة في إجمالي تدفقات التمويل. ويرجع ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي إلى انخفاض أسعار النفط، والتي من المتوقع أن تنخفض أكثر في عامي 2025 و2026 إلى ما بين 65 و70 دولاراً للبرميل، مما يخلق قيوداً إضافية على الميزانيات الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تركز حكومات دول مجلس التعاون الخليجي وصناديق الثروة السيادية على الاستثمارات المحلية لدعم التنويع الاقتصادي، وتهدف إلى تأمين وصول تفضيلي للحصول على أصول عامة أو خاصة كاستثمارات في الخارج.
وقد خفضت الصين من مساهمتها في التمويل الأخضر العالمي بسبب ركود اقتصادها، وإعادة هيكلة تمويل التنمية نحو الانتقائية العالية والتخلص من المخاطر، وفقاعة الديون من الإقراض للبلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية. ويتماشى هذا التحول مع التوصيات الصادرة عن المنتدى الثاني لمبادرة الحزام والطريق في عام 2019، التي دعت إلى الحد من الإقراض عالي المخاطر والتركيز المتجدد على المشروعات الأصغر والأكثر استدامة.
كما أن هناك ترابطاً كبيراً في الأهداف: فكلا الجانبين يعطي الأولوية للربحية، ويركز على تعزيز أمن الطاقة، وبالتالي يولي اهتماماً أكبر للتخفيف من آثار الأزمة على حساب التكيف، ويشجع على اتباع مسار تدريجي لإزالة الكربون. كما أنهما يعطيان الأولوية لنفس المستفيدين (مصر بشكل رئيسي) من حيث حجم التمويل، مما يدل على التركيز على العلاقات الثنائية والأهداف الجيوسياسية.
بلغت تدفقات التمويل الإنمائي من مصادر مختلفة (بما في ذلك المنصات الثنائية والخاصة ومتعددة الأطراف) إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 457.3 مليار دولار أميركي بين عامي 2013 و2024. ويشمل ذلك القروض والسندات والأسهم وأشكال التمويل الأخرى. وقد حدثت زيادة كبيرة في عدد اتفاقيات التمويل في عام 2021 بسبب تأثير جائحة كوفيد-19 على التمويل العام للبلدان النامية والديون العامة والتركيز العالمي على التحول البيئي وارتفاع المساهمات من التمويل الأخضر.
ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، كانت الإمارات العربية المتحدة أكبر جهة مقدمة للتمويل الأخضر في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى عام 2021، تليها المملكة العربية السعودية. وقد خُصص معظم التمويل للتخفيف من آثار تغير المناخ، مما يعكس تركيز المقرضين في دول مجلس التعاون الخليجي على الاستثمار في قطاع الطاقة. وكانت أكثر الدول المستفيدة من التمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي هي مصر والأردن والمغرب والأراضي الفلسطينية. وذهبت معظم أموال تمويلات التخفيف إلى مصر والمغرب، بينما تركزت المشاريع الموجهة للتكيف بشكل أكبر في الأردن والأراضي الفلسطينية. وفي نفس الفترة، حصلت مصر وإيران والعراق وتركيا على معظم التمويل الأخضر الصيني في المنطقة.
كما تُظهر المقارنة بين التمويل الأخضر الخليجي وتمويل المشاريع الغربية في بلدان مختارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا درجة عالية من التقارب عندما يتعلق الأمر بالبلدان المتلقية وعدد الصفقات والقطاع المستهدف. فبين عامي 2013 و2024، تلقّت مصر والأردن والمغرب وتونس ومصر معظم تمويل المشاريع الخضراء من الدول الغربية ودول شرق آسيا (باستثناء الصين) ودول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الصين. وكانت غالبية المشاريع عبارة عن شراكات وحصلت على تمويل من مصادر مختلفة. وشاركت قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في تمويل 49% من المشاريع من خلال الشراكات، في حين شاركت دول غرب وشرق آسيا مع دول أخرى، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، في تمويل 56% منها (الشكل 4). وكان قطاع الطاقة والكهرباء هو القطاع الرئيسي المستهدف (89%).

ويمكن ملاحظة النمط نفسه عند مقارنة التدفقات من دول مجلس التعاون الخليجي والصين حيث استهدف الجانبان القطاعات نفسها بين عامي 2013 و2024، وكانت القطاعات الثلاثة الأولى هي الطاقة والوكالات الحكومية والمؤسسات المالية. وقد كان الدافع وراء ذلك أهدافاً متشابهة، بما في ذلك تعزيز العلاقات الثنائية من خلال التعاون المالي كجزء من تنويع دول المنطقة واستهداف مشاريع محددة تملكها أو تروّج لها الحكومة في البلدان التي يلعب فيها القطاع المصرفي الخليجي والصيني دوراً رئيسياً. على سبيل المثال، يركز الجانبان على تعزيز التحول في مجال الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يعكس سياساتهما المحلية من خلال تخصيص الأموال لمشاريع الطاقة – لا سيما الطاقة الشمسية ومزارع الرياح وإنتاج الهيدروجين والسيارات الكهربائية وإنتاج الكهرباء. كما يعد أمن الطاقة دافعاً رئيسياً وراء هذا النهج، حيث تحاول دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الحفاظ على مكانتهما كلاعبين رئيسيين في مجال الطاقة، في حين أن لدى الصين الطموح والموارد اللازمة للهيمنة على أسواق الطاقة المتجددة في المستقبل. وتُظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن 55.6% من التمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي خُصص للتخفيف من آثار التغير المناخي، و44.4% لأغراض التكيّف مع آثار هذا التغيّر.
ولا توجد بيانات كافية لتقييم مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في المنظمات متعددة الأطراف في هذا المجال تقييماً صحيحاً. غير أن بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشير إلى أن هذه الدول تفضل الصفقات الثنائية وتتردد في تخصيص أموال كبيرة لبنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية. فقد خصصت قطر والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مبلغ 285 مليون دولار فقط لمبادرات التمويل الأخضر متعددة الأطراف. وقد جاء معظم هذا المبلغ، 224 مليون دولار، من المملكة العربية السعودية، وجاءت الكويت في المرتبة التالية بمبلغ 48 مليون دولار. وتتسق الصورة العامة مع الدبلوماسية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تركز على تحقيق منافعها المالية الوطنية أو أهدافها الجيوستراتيجية من خلال المساعدات الثنائية والقروض وأدوات التمويل الأخرى.
الخلاصة
تشير البيانات إلى أن المنظومات الاقتصادية للتمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي غير متطورة. ويرجع ذلك إلى أن الحوافز المصممة لتسهيل التحول الأخضر داخل النظام المالي يمكن أن تتعارض أحياناً مع الأهداف الاستراتيجية للحكومة المتعلقة بالتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي.
ولتحقيق أهدافها، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى بذل المزيد من الجهود لتطوير نظمها الخاصة بالتمويل الأخضر حتى لا يفوتها تحقيق نمو اقتصادي بقيمة 2 تريليون دولار أميركي وأكثر من مليون وظيفة جديدة، وذلك بحسب ما توقعت استراتيجية برايس ووترهاوس كوبرز ((PwC. وسيتطلّب ذلك تحولاً في العقلية من النظر إلى التمويل الأخضر كفرصة فقط إلى اعتباره أولوية أيضاً.
ينبغي لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي تسريع عملية إزالة الكربون من خلال التركيز بشكل أكبر على الاستدامة البيئية من خلال جعلها ركيزة أساسية في استراتيجيات التحول في مجال الطاقة والتخطيط المالي، بما في ذلك أدوات الديون. وتتمثل إحدى وسائل تحقيق ذلك في أن تنظر كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء هيئة استثمار خضراء تركز حصرياً على تمويل المشاريع المستدامة وإدارتها، مثل صندوق الثروة السيادية الخضراء. وينبغي أيضاً مناقشة وضع نهج خليجي موحّد لزيادة التوافق في التحول الأخضر في جميع أنحاء المنطقة. وأخيراً، ينبغي أن يكون هناك المزيد من التركيز على مواضيع تتجاوز الطاقة والبنية التحتية وإدارة المياه لتشمل الزراعة المستدامة والسياحة المستدامة والاقتصاد الدائري من خلال استخدام التمويل الأخضر كمحرك رئيسي وراء هذا التنويع.
هذا المقال جزء من سلسلة تستكشف مبادرات التمويل الأخضر في الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وعلى غرار مقالنا الأول عن الصين، يحلّل هذا المقال نهج دول مجلس التعاون الخليجي في التمويل الأخضر ويقارنه بنهج الصين، باستخدام بيانات من 2013 إلى 2024، مع تحديد العقبات التي قد تواجه استراتيجيات التمويل الأخضر في هذه الدول. ويُستثنى من ذلك الحالات التي لا تتوفر فيها البيانات إلا حتى عام 2021 بسبب انخفاض الشفافية ومحدودية توفر البيانات الرسمية، أو الحالات التي تفتقر إلى البيانات بسبب عدم وجود مشاريع وكون أنظمة التمويل الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال في مرحلة مبكرة.